” بائعة الدجر ” مجموعة قصصية ، أصدرها القاص الصديق ” إبراهيم جبران ” احتوت على عشرين قصة قصيرة ، قدمها على هيئة كتاب إلكتروني للأجهزة الذكية ، وكان الراوي خلال هذه المجموعة يروي أقاصيصه بلغة متقنة ، يستخدم خلالها اللفظة الجازانية ، موظفا إياها في سياق فصيح ، ولقد فاجأنا القاص بنشر مجموعته الأولى هذه مستوفية الشروط الفنية للسرد المتقن ، ولعل ما يميز مجموعته ” بائعة الدجر ” هو ذلك الحس الفكاهي الذي امتاز به الراوي ، حيث لا يمكنك وأنت تقرأ أيا من قصص المجموعة إلا أن تنخرط في ضحك هستيري – كما يقولون – دون أن تشعر بأي تكلف ، فالفكاهة بالنسبة للراوي سمة في تكوينه النفسي ، ثم تنعكس في أسلوبه بشكل تلقائي ، وفي الحقيقة لم يكن الراوي إلا القاص نفسه ، يتطابقان ، ولا يتنافران ، أو يتقاطعان .
الصديق إبراهيم جبران بمجموعته هذه يحيي رغبة قديمة في داخلي ، وقد كنا طوال السنين الفائتة رفيقي درب ، وكان هذا الرجل لحظاته ، أو لحظاتك معه عامرة بالضحك ، لما يمتاز به من ذكاء ، يستثمر كل لفظة تصدر منك ، أو موقف ، أو هفوة تهفوها ، في صناعة نكتة ، أو صياغة عبارة ساخرة ، تظل عالقة في الذهن سنينا وسنين ، ومما أذكره في هذا السياق ، أن أحد الأصدقاء كان يروي لصديقنا ” إبراهيم ” قصة رجل معروف لدينا ، وصفه وقتئذ بلهجته العامية ، فقال : ” هو رجل نظيف ” وما إن سمع ” إبراهيم ” العبارة حتى تحرك حسه الفكاهي ، فأخذ يبتسم بمكر فيما كان الصديق منخرطا في سرد حكاية ” الرجل النظيف ” ثم بادره الساخر بالسؤال : ” طيب .. وأنا شأتكرت به ؟ ” توقف الرجل ، لأن حكايته ” انصبعت ” فلا تدري أتضحك على هذا المشدوه المتحسر على حكايته ، أم على ذلك الساخر ، الذي لم يرد أن يفوت فرصة التعليق على عبارة ” الرجل النظيف ” .
أقول هاهو الصديق ” إبراهيم جبران ” يحيي رغبتي القديمة في أن أدون المواقف ، والحكايات الساخرة ، التي كانت تصدر عنه بتلقائية بالغة ، وتحيل اللحظة إلى شعلة من المرح ، وإذن فالراوي الذي كان من المفترض ألا يكون دائما هو القاص ، هو نفسه ” إبراهيم ” وعلى قدر ما تمنيت فنيا أن يتعدد الرواة في المجموعة ، سعدت بتحقق رغبتي القديمة تلك .
” بائعة الدجر ” مجموعة قصصية تستحق أن تقرأ بعناية ، ولعلي أتوقف قليلا لدى قصة ” الحب الذي قتل النعجة ” فهذه القصة هي أول ما قرأته في المجموعة ، وهي آخر ما قرأته فيها ، حين رجعت إليها بغية أن أتلقاها بالحس الناقد ، بعيدا عن نشوة الانطباع الأول ، ولقد أدركت فيها غير قليل من الإتقان على مستوى الوصف ، المتعلق بالزمان والمكان والشخصيات والأحداث ، وعلى مستوى الحبكة ، حيث تتظافر كل العناصر من أجل التصعيد وصولا إلى الذروة ، حين يتل العجوز كبشه للجبين ، ولكننا كمتلقين نظل متصعدين إلى ذروة أخرى مع النعجة ، التي آثرت هي الأخرى أن تلفت الانتباه إلى مصيرها ، وعلى مستوى السرد ، حيث كانت اللغة تراوح بين ضمائر هو وهي ، لترتب لمونتاج ربما يحتاج إلى الكثير لسبر أغواره ، وكشف أسراره .
حقا من أروع ماكتب اﻷديب المبدع ابراهيم جبران حيث تميزت مجموعته القصصية بأسلوب جميل وبسيط يحاكي موروث ابائنا واجدادنا مطعم بحس فكاهي ممتع يجعلك تقرأ المجموعة أكثر من مره دون أن تشعر بملل التكرار، بادره جميله من اﻷخ جبران بأن تكون هذه المجموعة القصصية مرجعا للجيل الحالي والقادم وخصوصا المهتمين بهذا الموروث.
انصح الجميع بقراءة المجموعة القصصية( بائعة الدجر) التي
ربما أن الكاتب سوف يتحفنا في المستقبل القريب بإذن الله بمجموعه قصصية أخرى تكون جزء ثاني لما سبق..
تمنياتي لك بالتوفيق دائما يا أديبنا المتميز..