سعيد هذا رجلٌ ضرب كبدَ حمولهِ مسافراً، وقد طال به المسير، فحلَّ في طريق رِحلته ضيفاً على أحد بيوت قريةٍ صغيرةٍ ، ولجها ليلاً، وسعيدٌ هذا رجلٌ من ذوي البشرة السوداء حالكة السواد، كان يُمني نفسه بوجبة عشاء تقيم أوده، ويشحن طاقته لاستكمال رحلته الطويلة.
أدخله ربُّ المنزل عُشّة قد استوطنتها ظلمة لم يكن حالها بأحسن من لونه الحالك.
سأله صاحب المنزل عن رغبته في العشاء، مؤكداً له أن وجبته ستكون “زُومة” وهي خمير مفتوت مرشوش ببعض اللبن الرَّائب.
تفتحت أسارير الرجل المنهك سفراً وجوعاً، ونسي الظلمة التي تحيطه، فاكتفى بتحريك رأسه بالموافقة دون أن يتحدث فرحاً و خجلاً.
كرر الرجل سؤاله، وكرر سعيد حركة رأسه بالموافقة، بعدها انصرف الرجل وفي قناعته أن ضيفه مُترع الكرش، ولا شيء غير النوم مبتغاه، وسينبلج الصبح عن عُشة خالية، يرتجي بها وجه ربه.
في الجانب الآخر بات “سعيدٌ” منتظراً عودة مُضيفه، وفي قناعته أن سفرة عامرة ستحل عليه، غير أن صاحب العشة غطَّ في نوم عميق يشيء به شخيرٌ لم يصل إلى مسامع المنتظر الجائع.
وفي الصباح جاء صاحب العشة ليطمئن على ضيفه جازاماً برحيله، غير أنه تفاجأ به في ذات المكان، وذات الحال، غائر العينين، لم يرف له جفنٌ، ليبادره بسؤال مازجه شيءٌ من الغضب : وأنت ماهو معاك عادك هنا ؟؟
رد المسكين بوهن كبير وخجل أكبر : سِعيد في حرى امزومة !!!