إنسلّ من بين القطيع نحوها .. أخذ يشمشم درفها حتى لسع برشومه اللضى من كِرّس أدهم قد اهلكته عوامل التعرية ، فتآكل حتى بدا كحجر الحشاف .. فساقه الفوفلي على غير عادة إلى مضارب الحباطة!
لم يدر بخلده يوم القايلة وكأن أُذنيه قد صمت فلم يسمع وخيفها ، ولم يرَ من هلاك الزرع في الحباطة إلا روضة من رياض جنان أفريقيا !
مسكين هو ..
غير ان للحب وقعه في القلوب حينما لا يبصر غير حقيقته هو ، لا حقيقة من حولة ، إنه الأنا عندما يكون خادم للأنا .. فينسى التعب والهموم .. فكأنما تنقشع دنياه إلى دنيا أخرى فتضع دنياه خلسها في دنيا الكائنين فيها ، فيكون في دنياه صورة له دون غيره ، وللآخرين فكرة كيفما هم مصوروها !
فغريب هو الحب حينما يُعلن وغريب هو حينما يفعل أسباب بقاءه فلا يكون جنونا إلا من جنون صاحبه لا من جنون الحب . فلا ضير أن ينسى تعب الرحيل من قارة إلى قارة ومن دولة إلى دولة مكبل تارة ومقيد أخرى والنَفَسُ والحرية بضع من بضع من يوم ؛ إنها فتنة الحب حينما يفتن ثور ببقرة !
أخذ يداوي حرارة براطيمه بماء لسانه الرطب فيمده للعليا حتى يعانق أرنبة أنفه فيحْركه في جوفها حرْكاً مدوماً ، وكأنه ليطمئن بأن كل ذرة من لعابه قد عانقت كل وحدة من سطح أنفه الثائر !
ثم يأنف فيزفر منها زفرةً كأنما يرى مصارعة يلوح له بخرقته الحمراء في حلبة المصارعة ..
فيزفر الزفرة فلا تكون إلاّ صورة في صوت . فلا تشبه حينئذ إلاّ دباب عطية ساعة إنزلاق الصفاية من شكمانها !
عاود الكرة .. فدنى من ذيلها هذه المرة فلسعته به على عينه حتى ادمعت .. هتع وتراجع للخلف ولم يعد يدري أيداوي براطيمه أم ما حل بعينه . إستدارت إليه حتى تناطت الوجوه وقالت : ما للثيران هياجان في صيفنا
– أوا الصيف حل ؟ كان يقولها وهو يحك عينه في جذع شجرة الابراية .
– حتى وإن .. وإن كنت غريب ، فلمَ لم تتأدب ؟
أخذه العجب من فطنتها برهة ..
تكالبت عليه الهموم والاوجاع ولم يعد يدرك في أي العلل هو ! أفي القلب وما هوى ؟ أفي العقل وما خوى ؟ أم في البراطم والعيون! أم في وعثاء السفر ؟
تنهد قليلا .. ارتعدت فرائسه ثم أخذ في القول ..
– إليك عني .. فإني في الوثاق مأسور وإلى دياركم مجبور وإني بكِ مغرم وإليك محزم إن شئت أكلتِ وإن قصعتِ ، وإني لك دليل وعن فراقك لا أطيق . فأني أخشى ما أخشى إن ينقطع ذكري فلا عجل بعدي ولا حسيل .
قالت : دونك بقرة طاهر كلح !
– ماذا أصنع بعاهه دائمة لا تتنحى ولا تغيب ؟
فالتفت البقرة وإذا بصاحبها يحوم حول الحمى فأخذت تنادي عليه
يا عم طاهر .. ياعم كلح .. دونك فقُدني إليك فإن هذا الثور المعتوه قد نال من عرضي سبا ومنك تبعاً فإن لم ينل ما ناله الداج الأحول فلا مقام لي في مضاربكم وقد ” تزهل ” ثور المكعكم بالقيمة عدا ونقدا .
فغار طاهر كلح نحو ثوره الافريقي الذي خر صريعا من غباءه !
تحرقطت تمرقطت ..
………………..
بقلم الصديق الأستاذ محمد عبده بكاري