سأتحدث هنا عن واقع نعيشه، بعيداً عن المثالية التي يتبناها بعض الرِّجال ممن ينوي الزواج من ثانية أو ثالثة أو حتى رابعة، ولست هنا أمارس دور المفتي، لأُحلل أو أحرم ما بانَ حُكمه، ولست ممن تؤخذ منه الفتوى أصلاً.

قلت أني سأتحدث في عُجالة عن واقع شوَّه هذه السُّنة العظيمة، وما فيها من فوائد، وخير، وأجر ليخرج بها من نطاق السُّنة المُحببة، إلى حيز التَّشويه، ومُمارسة التعذيب المُشرعن!

ظـاهرة التفاخر بالزَّوجات تنتشر في مجتمعنا، بصورة أو أخرى، خصوصاً بين الطبقات المَخملية، ممن لا يرى في المرأة سوى أنها من متع الدنيا فقط، فيبحث فيهن عن المرأة الجميلة (الصَّالحة) في حين أن الرجل تبتعد به رغبته عن الصَّلاح، فينشغل بإمتاع نفسه عن حاجات بيته وأبنائه وأسرته، فيميل كل الميل، وتبدأ زوجاته رحلة من التعب، والغبن، والفوضى!

عادةٌ اجتماعيةٌ في بعض المجتمعات المحلية، تدفع حتى متوسطي الحال، بل ومتردّيه إلى الزواج من امرأتين وأكثر لا لشيء إلا أنه وجد آباءه كذلك يفعلون، فيُدخل نفسه وأهلَ بيته في أنفاقِ الحاجةِ المظلمة، ودهاليزِ الفاقة المذلة أحياناً.

كذلك بعض المَخمليين ممن يرى التنقل بين أحضان النساء حقٌ مشروعٌ له، وأنه بماله يحق له أن يقطف من بساتين النِّساء كل عام واحدة، يمتص رحيقها زمناً ثم ينتقل إلى أخرى، هكذا هي فكرتهم ما دامت في حدود الشرع، وتحت مظلته، وهم في حقيقة الأمر يمتطون صهوة الدِّين للركض خلف شهواتهم، فيُخلفون نفوساً كسيرة، وأبناء تائهين، وأحلامَ فتياتٍ محطمة.

وبعض المُعدَمين ممن يتلمس خُطى آبائه في التفاخر بالأبناء والزوجات، يزيد من سوءِ حاله سوءاً، فيُمعن في إرهاق نفسه، وإذلال زوجاته، وكسر نُفوسِ أبنائه!

وهنا نسأل، هل الزوجة الثانية ضرورة، أم ترف ينتقص قدر المرأة تارة، ويذلها تارة أخرى؟!

لا أنكر أن هناك الكثير من الحالات الناجحة، تعد نموذجاً، وهي المطلب، والصورة التي حبذها دينُنا، ورغّـب فيها، وهي التي ينبغي أن يكون عليها المؤمنُ الحق العـادل، السَّـاعي إلى الإعفاف، وطلب الأجر والولد الصَّـالح، فتجده يتلمَّس العدل بين زوجاته وأبنائه، مخافةً لله.

لكن غالب الحال هو أن هناك نماذج سيئة استحلت بمالها أحلامَ الآخرين، فانطلقت تعبث بها دون شعورٍ بالمسؤولية، ولا إحساس بحقوق بقية الأطراف، وهم يظنون أن يُحسنون عملاً.

حينما ينشغل المُعدِّد بملذاته عن واجباته الأساسية تجاه زوجاته وأبنائه، تبدأ المعاناة، ورحلة التفكك التي غالباً ما تأوول إلى نهايات مُحزنة، أو حياة مؤلمة لأطراف لا ذنب لهم إلا أنهم استسلموا لرغبةٍ غير محسوبة.

كثيرٌ من المُـعدِّدين يعمدون إلى حل مشكلاتهم الأسرية مع زوجاتهم بالهروبِ إلى أحضانِ زوجة أخرى، ليكتشف في لحظة ما أنه فتح باباً لا يقوى على إقفاله، وجرحاً لا يستطيع إيقاف نزفه، وتبدأ دائرة الشتات، ورحلة التشضّي.

إن الفهم الخاطئ لمبدأ التعدد خلق مُشكلاتٍ أسريةٍ لا حلَّ لها ولا حد، ونحنُ في زمن عزَّ فيه العدل، وتنوعت فيه الفتن، وتلون فيه الناس إلى حدٍّ تلتقي الأجساد فيه دون روح، زمنٍ غابت فيه الأرواح السَّامية التي تروض الأجساد اللاهثة خلف شهوتها، وانطلق كل واحدٍ منا خلف نزواته، يُحلّ هذا لنفسه، ويُحرمه على غيره، ولا أشد ألماً من أن يُغتَصَب حُـلمُ إنسان، وتُـقتلُ فرحته، وتُـدفنُ آمالهُ تحت جبروت النّـزوة، ويُحرق قلبه بنار الأنانية.

من هنا استطيع القول أن الزَّوجة الثانية ضرورة حينما يستقيمُ العدلُ فينا، ونقيمُ الحق على أنفسنا قبل أن يقيمه علينا الآخرون، حينما تكون هذه “الثانية” شريكة حقيقة في كل أمورنا، المحزنُ منها قبل المفرح، حينما تكون إضافة لتحقيق النَّجاح للزوج، ويكون الزَّوجُ لها طاقةَ إبداعٍ ونهرَ عطاء، بالتَّساوي مع كل من يعيشون تحت جناحية.

وما سوى ذلك فهو عبثٌ لا يقبله دين، ولا عُرفٌ، ولا يتقبله عقلُ منصفٌ يخشى الله عز وجل في أحـلام النساء، وآمالهن، ويتقيه في أبناءٍ سيكونون شاهداً عليه يوم القيامة.

من jubran4u

فكرة واحدة بخصوص “هل الزَّواج من الثَّانية ضَرورة !!”
  1. حقيقة نعرفها ولكن للأسف نحاول التهرب منها وبراعة الكاتب أظهرتها بالعقل والمنطق وياليتهم يسمعون

التعليقات مغلقة.