كنا أهل حرث ورعي، نسكن على ضفاف وادي كبير نابض بالحياة، كوريد يربط بين البحر والجبل، كان يتقاسم هذا الوادي الرعاة، والمزارعون، وصيادي الطيور، وأصحاب المساني، والحطابون، وحتى لصوص القصب، وجامعات الطين، وهواة أكل الكين.
كنت صغيراً أركب خلف أخي الكبير على حمار بليدِ، قصيرٌ شيئاً ما، ( متشقلاً ) خلفه ممسكاً بكتفيه خشية الوقوع، نشق قطعان الماشية إلى نصف معاد كان الوالد يزرع نصفه ذرةً والنص الأخر جلجلاناً، وبعض الدجر والقطن.
وكنا في كل مرة نذهب فيها إلى ( زهبنا ) يعترضنا كلبٌ ( شبقٌ ) لأحد الرعاة الذي كان كل وقته منشغلاً بمزماره، اتضح لي لاحقاً أنه كان ( مُتعيشقاً ) لإحدى ( المُُعلفات ) في الطرف الآخر من الزهوب، لهذا لم يكن يعير فجيعتنا وخوفنا اليومي من كلبه أي اهتمام.
كل يوم على نفس الحال، ما أن نعبر بالقرب منه حتى ينقض علينا كلبه الشرس يمارس إرهاباً منقطع النظير، يطردنا شر طردة ويسومنا سوء العذاب النفسي، رغم محاولات حمارنا البليد الهرب والحيلولة دون الوصل إلينا، ونحن نجاهد في رفع سيقاننا عن فكه المحشو بالأنياب، إلا أن سيقاننا لم تكن بمأمنٍ عن لعابه المتطاير كالرذاذ.
كل هذه المأساة والعاشق المُزمّر مُنشغل بمزماره وعشيقته المهتمة بعلفها هناك في البعيد.
كان ذلك الكلبُ هماً يومياً ورعباً يسكن نفوسنا بمجرد نزول الوادي، حتى خطرت لي فكرة أن أجرب أخذ عصا ورميها بعيداً حينما يهم الكلب بمطاردتنا، وهي فكرة كنت أشاهدها في أفلام الكرتون، بدت لي الفكرة معقولة وقد تمنحنا فرصة الهرب دون أن يغسل سيقاننا لعاب ذلك الكلب.
أعددت نفسي وجهزنا العصا المناسبة، وأحكمنا الخطة واتفقت مع أخي أن يلهب الحمار ضرباً مع بداية رميي للعصا بعيداً وأثناء انشغال الكلب بمطاردته، حيث تكون الفرصة سانحة للهرب.
وعلى هذا عقدنا العزم، وفي اليوم التالي، كانت نسبة الخوف يسيرة وأملنا في الله ثم فكرة إشغال الكلب بمطاردة العصا ثم الفرار، وانطلقنا متفائلين، ويتكرر نفس المشهد اليومي، الراعي العاشق يعزف على مزماره، و( المُعلفة ) في الطرف الآخر من الزهوب، وقطيع النعاج والتيوس منهمكٌ في أكل الحشائش، والكلب يراقب المكان وكأنه ينتظر وصول موكبنا كي يبدأ هو الآخر متعته.
وما أن رآنا حتى انطلق كالبرق، ونحن في كامل الاستعداد، كنت محكماً الإمساك ببطن أخي بيدي اليسرى، والأخرى ممسكة بعصانا الأمل، والحمار بدأ يدس ذيله بين ساقيه استعداداً للحظة.
انتظرت لحظة الصفر، اقترب الكلب وكان هذه المرة عاقداً العزم على ساق أحدنا.
أخي كان ينتظر مني الإشارة وأنا كنت أتحين اللحظة الأنسب، والخوف كان سيد الموقف.
الكلبُ ( مدحمرٌ ) على (حاملتنا)، والعاشق يُزمر، وما أن اقترب حتى رفعت العود عالياً لألفت إليه نظر المتوحش الهائج، نظرات الكلب المفزعة وأنيابه البارزة افقدتني السيطرة، وانسلت القوة من ساعدي كما ينسل الهواء من كُرة طُرتّ بسكين، وأيقنت أن الهلاك حل بنا فحاولت أن أدرك ما تبقى في ذراعي من قوة ورميت العصا بسرعة وبنصف طاقتي المتبقية.
الفاجعة الحقيقية هي أن العود سقط بين ساقي الحمار المنطلق، والكلب ما أن رأى الحال حتى ازداد توحشاً وحملته ساقيه كالريح، نحونا، الحمار نهشته الفاجعة فأخذ (يُعنفلُ) ونحن فوق ظهره كمن يتقاذفه موج بحرٍ هائج، نحاول الثبات دون جدوى والكلب تفاقمت نزعته التوحشية.
كل تلك الأحداث، والعاشق مُنشغل بمزماره، حتى وقعنا من على ظهر ( المُعنفل ) متشابكين نحو قدرنا، وشق الحمار طريقه هرباً، ونحن استسلمنا لحكم الله، وقدره الذي لم يرده إلا اللطف منه حينما انتبه المُُزمر العاشق لحالنا البائس، حيث أوقف عزف مقطوعته وانطلق كالريح صوب كلبه المنتصر فتارة يرميه بـ( الكدر) ، وتارة يصيح به حتى انتهت به ساقيه بيننا وبين كلبه الذي كان قاب قوسين أو أدنى من ساقي النحيل.
طرد الراعي كلبه بعيداً، والتفت إلينا وانفجر ضاحكاً وهو يقول: ( مسوي فيها بيتر هاااا… هيا قوموا الحقوا حماركم ) ؟؟!!.
ونحن مابين أحياء وأموات، عين على حمارنا الشارد، الذي استقر به الحال على أصل دجر، وبين الكلب الذي عاد إلى ظل رينته، وبين العاشق الذي أفسد عليه مشهد الرعب لحظة العشق التي كان يُموسق فيها ألحان نايه، لشطر قلبه (المُعلف).
* أحداث القصة حقيقية
بصراحة يا استاذ ابراهيم من سنين وأنا أتابع جيزان أون لاين ولكن من وقت لآخر وانظر في الصور القديمة لمنطقتي الغالية وربما أصابني الوَجْد والشوق لجازان فأجد في هذا الموقع سلوتي و راحتي وأستأنس به فيذهب الله مابي من لوعة ، ولم أكلف نفسي يوماً بالبحث عن مؤسس هذا الموقع حتى قرأت كتابك الإلكتروني بائعة الدِجْر الذي ضحكت وفرحت وحزنت وأنا أقرأُه ، وخلال قرآتي له كان يخطر في مخيلتي شخصك الكريم وكيف أن هذا الكاتب وبهذا الأسلوب العذب الجميل لم نعرف عنه شيئاً من قبل وكنت أكاد أجزم بأن هذا الكاتب يبلغ من العمر الستين أو السبعين سنة حتى أتيت على نهاية الكتاب لأجد سيرتك وأنك من مواليد ١٣٩٥ وتلجمني المفاجأة وأسقطت أنا في يدي وأردد الله الله إبداع كبير من صغير السن نسبياً .. لقد قرأت للمنفلوطي والرافعي وابن جبير الأندلسي وفيكتور هيجو فكان كل مهنم عندما أقرأُ له أجد نفسي وكأني أتحرك وأتَنَقَل ضمن السطور وأعيش أحداث ما يكتبون بكل التفاصيل وهذا والله من حسن إتقانهم وصدق مشاعرهم و سمو حسهم وبدون مجاملة لقد عشت مع بائعة الدِجْر نفس الإحساس الذي وجدتُه مع هؤلاء الكبار الذين ذكرتهم لك لأنك ولأنهم تتقنون الصنعة وتحسنون الوصف الذي يأخذ بتلابيب أمرُجل ويدحش بُهْ دحش في مزاقير
بصراحة يا استاذ ابراهيم من سنين وأنا أتابع جيزان أون لاين ولكن من وقت لآخر وانظر في الصور القديمة لمنطقتي الغالية وربما أصابني الوَجْد والشوق لجازان فأجد في هذا الموقع سلوتي و راحتي وأستأنس به فيذهب الله مابي من لوعة ، ولم أكلف نفسي يوماً بالبحث عن مؤسس هذا الموقع حتى قرأت كتابك الإلكتروني بائعة الدِجْر الذي ضحكت وفرحت وحزنت وأنا أقرأُه ، وخلال قرآتي له كان يخطر في مخيلتي شخصك الكريم وكيف أن هذا الكاتب وبهذا الأسلوب العذب الجميل لم نعرف عنه شيئاً من قبل وكنت أكاد أجزم بأن هذا الكاتب يبلغ من العمر الستين أو السبعين سنة حتى أتيت على نهاية الكتاب لأجد سيرتك وأنك من مواليد ١٣٩٥ وتلجمني المفاجأة وأسقطت أنا في يدي وأردد الله الله إبداع كبير من صغير السن نسبياً .. لقد قرأت للمنفلوطي والرافعي وابن جبير الأندلسي وفيكتور هيجو فكان كل مهنم عندما أقرأُ له أجد نفسي وكأني أتحرك وأتَنَقَل ضمن السطور وأعيش أحداث ما يكتبون بكل التفاصيل وهذا والله من حسن إتقانهم وصدق مشاعرهم و سمو حسهم وبدون مجاملة لقد عشت مع بائعة الدِجْر نفس الإحساس الذي وجدتُه مع هؤلاء الكبار الذين ذكرتهم لك لأنك ولأنهم تتقنون الصنعة وتحسنون الوصف الذي يأخذ بتلابيب أمرُجل ويدحش بُهْ دحش في مزاقير القصة هههههه
اخي ابراهيمااعتقدواجزم انك من سكان الحسيني وانك اخ علي عبده جبران اذاماخاب ظني فإن كان كذلك فوالله اني سعيد لأني جلست معك ومع زميلي سابقا اخوك جلست معكم قبل اكثرمن13سنه وكنت حينها انت ابن 26سنهاو25 الله يحفظك ويعلم الله اني كلما هزني الشوق الى ديرتي اقرأقصص بائعة الدجر وحينها احس وكأني فيهاوخاصة عندما اقرأواتأمل الكلمات بلهجة زمان(امزبير,وامحمول,وامزهب وغيرهاوغيرها )ياالله كم كانت الحياة حلووه