إنّ تسارعَ الأحداث وتدفق المعلومات في العصر الحالي شكَّـل روافد غـزيرة لثقافة المتلقي على امتدادِ المعمورة ، ونسبة ” العارفين ” ارتفعت مقارنة بالماضي ، في ذات اللحظة نجد أن نسبة الأمية في شعوب العالم قد انخفضت إلا ما ندر من ” محبي الجهل ” والتخلف .
الوعي ، الحضارة ، الحرية … هذه مصطلحات طفت على ساحات الحوار منذ زمن نلوكها وتلوكنا كل لحظة ، ندعيها في حواراتنا ، وننادي بها في مجالسنا ونوادينا وكتاباتنا !!
لكن المستغرب هو أننا نفتقد ممارستها بجانب ادعائها .. ونطالبُ بها ونحنُ نجهلُ ” أحياناً ” متطلباتها ومستلزماتها وشروط ممارستها على أرضِ الواقعِ ابتداءً من احترامِ الذاتِ وانتهاءً باحترام أبسطِ حقوقِ الآخرين التي تنتهي عندها حريّاتنا.
هناكَ الكثيرُ ممن يدعي الوعْي ولا يمارسهُ أو يتعاطاهُ مع الآخرين .
كالحضارةِ التي نتشدقُ بها ليل نهار ونحن نجهلُ معاييرها ، ونفتقدُ مقوماتِها وهي كثيرةٌ جداً لعل أبسطها احترام حق الآخر وعدم مصادرة آرائه لمجرد أنها تخالفنا !!
قديما درسنا في مقرراتنا أن الحضارة هي ” منتهى ما وصلت إليه أمة من أمم الله في المجالات الصحية والعمرانية والزراعية والصناعية ” ونسي مؤلف ذلك المقرر أن الحضارة هي الوعي بقيمة تلك الأشياء ، وأن منتهى الحضارة هو الوعي بقيمة الإنسان الحقيقية في ذاته وبقية من حوله ، أن الحضارةَ الحقيقيةَ هي في المشاركةِ الفاعلة لبناء علاقات قوية أساسها الإيمان بأن الله خلق هذه الأرتال من البشر لعبادتهِ وحده ، وعمارةِ الأرضِ بالخيرِ والحبِ والسّـلام .
يجبُ علينا التـَّـفكرُ في أنفسنا قبل أنْ نتفكرَ في من سـوانا .. ويتوجب علينا أن نستـقْرئ مستقبل أيامنا بناء على معطيات الحاضر منها ، وهذه الأولويات مهمةٌ جداً في إدراك دورنا في المجتمع ، كيف نرتقي به ؟ وكيف نترجم قناعاتنا ذات القيمة سلوكاً مؤثراً في من حولنا لنكوِّن بيئة صحية حضارية واعية .. واعية بدورها تجاه نفسها والآخرين من حولها ، واعية برسالتها التي كلـَّـفها الله بحملها .. واعية بحقائق الأشياء من حولها ، وكيف أن سعادتي ستكون من خلال سعادة الآخرين .. كيف أن عمارة الأرض تبتدئ بعمارة الأرواح التي تعتلي أديمها.
إذنْ .. ادعاء الوعي خلاف تعاطيهِ ، وادعاء الحضارةِ خلاف ممارستها ، وشتان بين الادعاء والممارسة إذ أن الادعاء هو ركوب موجة دون إدراك لها ، وترديد كلمات دون وعي بمعناها ، وأن الممارسة هي إيمان تام بالدور الذي يتوجب علينا القيام به كمستخلفين في الأرض موكلين بعمارتها إيماناً ويقيناً .. وترجمة هذا الإيمان عملاً ملموساً وسلوكاً مؤثراً يبني ويرتقي بالإنسان وحياته إلى أرقى واسما الدرجات .
بهذا سنعرف كم نسبة المدعين من حولنا ، وكم هي نسبة الواعين الممارسين لوعيهم في ترجمة حقيقية لكل ما يقولون به عن أنفسهم ، من حضارة ، وثقافة ، ورقي !!
سنعرف حقيقة المتسيدين للكثير من أمور البشرية .. الجاثمين على أنفساها في أكبر عملية ادعاء للحرية ، والحضارة ، والوعي في تاريخها !
سنعرف فضاعة الجرائم التي ترتكب باسم كل تلك المصطلحات !! سنعرف حجم المأساة التي يعيشها العالم !! .