غلاف المجموعة

 

هو آخر ما صدر للأديبة القاصة (حكيمة الحربي) (لميس منصور) كما كانت سابقاً!
صادر عن دار الكنوز الأدبية ببيروت ، وأحب هنا أن أستعرض إصدارها هذا كونه الأحدث ولما حواه من نصوص (فلاشية) مركزة ، جاءت المجموعة في (64) صفحة من القطع المتوسط وبطباعة فاخرة كنصوصها.
حوت المجموعة (28) نصاً راقياً وبدأ بإهداء قرأته للمجدبين إلا من الحزن جاء فيه :
إلى .. ذات .. لم تعرف الفرح يوماً
بدأت المجموعة بنص : (قلق المنافي) واختتمت بنص (رحيل)
لست أول ولا آخر من وصل إلى هذه المحطة.
كانت كل الطرق التي سلكتها في زمني الماضي توحي بأني إليها واصلة لا محالة !
وثمة ومضات من تحت رماد الحاضر يشي وميضها بأن هذه هي محطتي الأخيرة !
وما تلك السحابة الرمادية الهاطلة من سماء الحزن المغلفة بعذبات السنين إلا مؤشر لهذا.
الملاحظ في المجموعة أنها تتشح الحزن من أول نص إلى آخر نص فيها ، ابتداء بالإهداء الذي منح لكل المعذبين على وجه الأرض.
لكن ترى هل هي الأنثى المقيدة .. أم هي العربية المحبطة أم هي الروح المتقدة التي لم تمنح مساحات لتعدو وتلون المدى كغيرها !!
.. أعاني من غربة الأمكنة كطائر أقلقته المنافي ..
وتسترسل في رسم معاناتها فتارة (مرارة الهزيمة) وتارة أخرى (في أرض صحراء طوقها الجفاف) ، لتنتهي في محطتها الأخيرة التي لا تقل فاجعة عن بداياتها !!
.. (فكانت محطتي الأخيرة بعد أن مللت الأسفار ولا نتيجة وانهكني الترحال .. فلم يزدني إلا شقاء وتعباً .. وإرهاقاً .. وقلقاً كان هو زادي طول رحلتي) !!
سيطرة كاملة للحزن وسط رغبة متهالكة في أن تسعد بلحظات سقيمة من فرح .. وتنتهي إلى محطات فاجعة !
هذا كان شيئاً من نص (قلق المنافي) ليأتي بعده نص (منفى) ، ليؤكد حقيقة الحزن الذي يسكنها وليؤكد نص (سفر) أيضا ذلك المهيمن عليها وهي مرتبطة مع بعضها وتعزز قناعة الكاتبة أن لا أمل في فرح !!
كما قلت ان الحزن هو المسيطر على أجواء كل النصوص التي تحويها المجموعة.
وسآتي الآن على بعض بدايات وهي لأهم نصوصها ليقف معي القارئ على تلك الحقيقة.
الإهداء :
إلى ذات لم تعرف الفرح يوماًَ!!
(قلق المنافي) .. وما تلك السحابة الرمادية الهاطلة من سماء الحزن المغلف بعذابات السنين إلا مؤشراً لهذا)
(منفى) : وقفت على أرصفة الزمن تحرقها شموس الشقاء ، تقتات الحزن لوعة.
(سفر) : اكتسى رداء الغروب .. وأصبح كل شيء يوحي بالوحشة والكآبة.
(بيت قديم) : ( .. فقدت النطق .. وانطفأ الضوء في عينيها .. فأصبح البيت القديم مهجوراً لا يسكنه إلا الخواء).
(الجريدة) : .. تصفح الجريدة على عجل فوجد العالم يغلي .. طوى الجريدة ووضعها تحت معطفه ورحل !!
(شرفة) : .. يلوكه الفقر .. ويطحنه البؤس .. تتساقط عصافير أحلامه على أرض يباس .. تموت ألف مرة!
(حائط) : .. تزيح أسداف العتمة وتتسلل من بين ثغور نكباتها ، لنهتدي إلى مدائن تختبئ خلف تلال البعد .. وسراب العمر الخادع !!
(زمن) : .. تراجع إلى الخلف .. ومازالت طيور العبوس وعدم الرضا تقف بصمود فوق صفحة وجهها الذي أنهكته السنون.
(صقيع) : .. أبحث بيأس عن دفء ضائع !! فلم أجد إلا هوة سحيقة فألقيت نفسي بها !!
(رداء رمادي) : الحزن يدثرها بأرديته الرمادية .. ويلف أغلاله حول قلبها المكلوم.
(تعتيم) : خيوط الضوء تتسلل من النافذة إلى داخل الغرفة التي تفتقر إلى الدفء والضوء ووهج الحياة.
وهكذا بقية النصوص لا تخل من الحزن بل إن محورها الحزن !!
ولهذا جاء عنوانها (قلق المنافي) ، فالقلق نتاج أزمات وعدم استقرار وتوجس أمر مزعج ، وتوقع فواجع .. والمنافي ارتبطت دائماً بألم المهاجرين وهي البعد الذي تنزع إليه الأرواح نزعاً فلا تطيب لمنفي فيها حياة.
بقي السؤال الذي يطرح نفسه ..
من خلال هذه المجموعة (الحزينة) التي اتخذت من (القلق) و(المنفى) عنواناً لها ، هل يمكننا الجزم بأن هذه المجموعة بنصوصها المتألمة هي واقع الأزمة التي يعيشها العقل العربي متمثلاً في ضيق نظرته إلى الآخر ، والعيش بفكرة (سي السيد) !! النافي للحرية المصادرة لكل شيء !! المتسلط .. اللاهث خلف ذاته فقط.
أجد هذا متجسداً في نص (تعدد) (ص51)
اعتادت أقدامه على التجوال فوق الأعشاب الندية داخل الحدائق الغناء ..
تأسره الأزهار بألوانها الزاهية .. وتشجيه الطيور المغردة ..
تسكب جمال الصوت بأذنه .. والشكل البديع بعينيه.
في كل مرة يأتي .. ويقطف أربع وردات ..
ثم يستبدلهن بأخريات!!
لينعم بعبق عبيرها ودفء ظلها!!!!
على عجل كتبت ما كتبت وما هي إلا مرئيات خرجت بها بعد فراغي من قراءة المجموعة (قلق المنافي) ، ربما شاطرني الاخوة ممن قرأوها فيما ذهبت إليه وقد أكون خرجت بفكرة أخرى خلاف مراد الكاتبة.
دعوة لقراءة نصوص المجموعة فهي على قصر نصوصها ، إلا أنها مشحونة جداً وعميقة جداً .. وناقدة جداً.

من jubran4u

فكرة واحدة بخصوص “قلق المنافي لحكيمة الحربي .. قراءة انطباعية”
  1. لقد قرأت المجموعة ، فقد كانت رائعة جدا، ولكن فعلا تكتسي بالسواد ، وأجواء الحزن .
    شكرا لك على قراءتك الرائعة.

التعليقات مغلقة.