يمثل فصل الخريف اهتماماً كبيراً لأهالي جازان كون المنطقة زراعية تمتاز بزراعة عدد كبير من المحاصيل بشكل دوري طوال السنة، وتشكل اهتماماً كبيراً لملاك الأراضي ، ولأن جازان مزرعة مفتوحة لا يمكن أن تجد أهل دار لا يمتلكون مزرعة كبيرة أو صغيرة أو حقلاً في أحد اوديتها .
ولأن الخريف هو سيد الفصول في جازان فإن هذا الفصل لا يمكن أن يمر دون أن تزدحم أوقاته بانشغالات ملاك تلك الحقول بحقولهم حيث يوقت كبار السن لهذا الفصل بشكل جيد وينطلقون في إعداد أراضيهم و حراثتها وزراعتها بمحصول الذرة الرفيعة ، ولا تكاد تجد وادي من أودية المنطقة إلا وقد اخضر واعتلت قمم قصباته عذوق الذرة المحمرة تارة والمبيضة تارة أخرى ولا أشهي ولا أهم من مراحل استواء محصولهم حيث يمر بمراحل استوء لها تسمياتها الخاصة والتي يحرص المزارعون على حمياتها من عبث العابثين سواء من المارة العابثة أو من الطيور التي تحتشد في مثل هذا الموسم الزاخر بالخيرات .
لن أسهب في تفاصيل الموسم واهتمامات المزارعين وسأقتصر في حديثي عن “الخضير” وهو فترة من فترات الاستواء التي يمر بها محصول الذرة ، حيث تمثل ثقافة خاصة لها اجواؤها واهتمامها ومتذويقيها تحتل من اهتمام أبناء جازان حيزاً كبيراً .
والخضير اسم يطلق على مرحلة يمر بها الحب في السنبلة قبيل استوائه واشتداد حباته بحيث تصبح صلبة قابلة للتخزين بعد فصلها عن العذوق .
وهذه المرحلة يتميز فها الحب باللين والطراوة حيث يكتسب اللون الأخضر المشوب بشيء من البياض وتكون الحبة مشبعة بالماء ، وبرائحة خاصة وطعم مميز .
تقطف عذوق الذرة اللينة الطرية وتجمع ثم تفصل الحبة عن سنبلتها بضرب العذق بعصاة نحيلة أو بجزء من ساق القصبة التي تحملها ، ثم تجمع وتغسل وتطحن لتتفنن بعد ذلك ربات البيوت في صناعة اطباق مختلفة من تلك الحبات ، فمنهن من تصنع أقراص الخضير بخبزها في التنور وتؤكل مع الإيدامات أو اللبن ، أو قد تصنع منه اطباق “المرسة” وهي الأكلة الأشهر في جازان ، وقد يصنع منها ” المفالت” الذي قد يطعم بالسمن والعسل وهناك من يفضل أن تطبخ بالماء سلقاً ويضاف إليها الملح حسب الرغبة ويسمى هنا “المسهى” وهو يشبه في طريقته وآلية إعداده “الذرة” التي تباع عادة في مداخل المولات والمحلات التجارية .
كما يفضله البعض مشوياً ، حيث يشوى على الفهم وهو في عذوقه ، أو يحمص في إناء بحيث يصل إلى مرحلة استوء معينة ، وفي أي حالة كان أو بأي طريقة أعد يضل “الخضير” وجبة غنية تراثياً وغذائياً يتهافت عليها الكثير من أبناء جازان ، ويمثل موسماً هاماً وجاذباً وفارقاً في سلسلة المواسم التي تزخر بها جازان ، ويعد لها العدة وتجتذب الكثير من أبناء المناطق المجاورة وزوارها القاصدون التعرف على موروثاتها وثقافاتها المتنوعة .
ولعل تهامة جازان هي الأغنى والأشهر بزراعة الذرة في موسم الخريف حيث تشتهر أودية بعينها بزراعة الذرة الرفيعة كوادي بيش ووادي صبيا ووادي خلب ومزارع الخشل والخوبة وهي أودية طينية حيث تجود فيها زراعة هذا النوع من المحاصيل خلاف ” الخبوت” ذات الطابع الرملي والذي تجود فيه زراعة محاصيل أخرى كالدخن والمانجو والمحاصيل الخضرية .
بينما تزرع الذرة في المناطق الجبلية على شكل مدرجات غير أن طبيعة الجبل تؤثر سلباً على كمية ونوع المحصول ما يحقق الفرادة لسهول تهامة ويميزها عن غيرها من الأمكان التي لا لامكن أن تجود فيها محاصيل الذرة بالشكل الذي تكون عليه حقول تلك الأودية الغية بالماء والتربة الصالحة .