شهدت المجتمعات في السنوات الأخيرة تغيرات جذرية في معايير التقدير والاحتفاء، حيث بات النجاح يقاس بعدد المتابعين، وليس بقيمة المحتوى أو الأثر الذي يتركه، إذ تراجعت معايير الجودة والفكر الراقي لتحل محلها معايير الشهرة والانتشار.
لقد أصبحنا في عصر يمكن تسميته بعصر “التفاهة المُسَوَّقة” برزت فيه الشخصيات الفارغة إلى الواجهة كنجوم ومؤثرين، وأعطيت لهم المساحات الكبرى على الشاشات والمنصات الرقمية، هذا الانتشار الكاسح للتفاهة ليس محض صدفة؛ بل هو انعكاس لظاهرة اجتماعية تعبر عن هبوط في الذائقة بالدرجة الأولى.
التفاهة، بطبيعتها، سهلة الهضم؛ فهي تقدم مواد سطحية خالية من التعقيد، مما يجعلها تلقى رواجًا لدى العامة الذين يبحثون عن الترفيه السريع والبعيد عن أي جهد فكري؛ وبهذا، أصبحت التفاهة هي القاعدة، والعُمق استثناءً محصورًا بين النخبة.
حين يتصدر التافهون المشهد الإعلامي، يُقدَّمون كنماذج للنجاح، مما يخلق انحرافًا في مفهوم النجاح ذاته؛ فالشباب الذين يرون هذه النماذج يعتقدون أن طريق الشهرة والمال لا يتطلب إلا إثارة الجدل أو تقديم محتوى سطحي، هذه الرسائل المغلوطة تُضعف الطموح الحقيقي وتُبدِّد المواهب.
والتصدي لهذه الظاهرة يتطلب وعيًا جماهيريًا وتعليمًا يُعزز القيم الحقيقية للنجاح، مثل الإبداع، العمل الجاد، والأثر الإيجابي في المجتمع، كما يتطلب تفعيل دور المثقفين والمفكرين لإعادة تشكيل الذائقة العامة من خلال محتوى يرتقي بالفكر.