حكت لي الجدة رحمها الله ذات مساء صيفي مُغبر قبل عشرين عاماً أن حكيماً من قوز الجعافرة هزه الشوق إلى صديق يقطن إحدى قرى المشوف، فشد حماره وربط سقاءه وبعض زاد من مُشبك ، وقليل من صُباع زينب ، وبعض دِجر ، وارتحل قاصداً زيارة صديقه العجوز .
استقبله الصديق بحرارة ورحب به وأكرمه غاية الإكرام ، وفي إحدى المساءات الجميلة كان الصديقان يرتشفان المَرْدُوم تحت ضل عرج سامق و
حدجه الحكيم القوزي بنظرة ، ثم أطرق برأسه قليلاً وبلع جغماً من فنجانه القحف وقال لصديقه بهدوء الحكماء:
الناس في الحياة يا صديقي كذلك الحب ، يختطف الهواء منه البغاة والجوش ويطير به بعيداً ولا يبق إلا ما فيه قيمة ونفع .
هكذا هي مواقف الحياة تكشف قيمة الناس .
التفت إليه صديقه العجوز وقد بلع مِلو فنجانٍ من دلته المَرْدُوم وقال له ممازحاً : يا أخي أنت مصيبة فاغرة !
ضحك الصديقان وضحك العرج ، وترك الشاب مجولته وانصرف خارماً.