دائماً ما يُحرج فرحان بن مِجْمِلة زوجته مِحْسنة بتصرفاته الحمقاء والتي كان آخرها ماحدث عند بئر القرية حينما وردت محسنة لجلب الماء ، حيث بادر الحِمارَ بعضَّـة قسمت أذنه اليُسرى إلى نِصفين ، لا لشي إلا لأن ذيلهُ لسعَ وِرك محسنة بينما هي تُحكم وثاق جِرارها على ظهره.
لا شيء يُعجب محسنة في زوجها إلا غيرته التي تعترف بمبالغتهِ فيها ما يضعها في حرج دائمٍ أمام صديقاتها وأهل القرية.
مرت عشرُ سنواتٍ منذ أن تزوجا حيث أشعلت النبابيتُ مساء الجبل وتوارد يومها ضيوف فرحان من السَّهل والجبل يباركون الفرح .
وتهامس ليلتها بعضُ صديقاتِ مِحْسِنة عن ذلك العريس وهن يُقهْقِهن حيث اشتهر فرحان بين أهالي القرية بِخِفَّة عقلة التي يقابلها قلبه الكبير المحب كما تدعي محسنة في محاولة منها لتحسين صورته.
عشرُ سنواتٍ و فرحان بن مِجْمِلة و محسنة ينتظران أن تُـثمر علاقتهما عن طفل يتباهان به ويُعدانه لعجزهما الذي تحمله السنوات القادمة.
دائماً ما كانت محسنة تمازح زوجها وتقول :
إذا جانا ولد أتمنى يكون بطيبة قلبك وبَحَـلى أمّه وعقل أخواله ؛ ثم تُردف أمنيتها بضحكةٍ لا يقطعها إلا حَنَقُ فرحان وهو يرد :
يعني عقلي ماله !؟ ماله هااا ماله هبل تِـرنِّـي !!!!؟
وفي مساء إحدى الليالي انشق صمتُ القرية عن غطروفٍ أتِبع بطلقاتِ نبوت اهتزت له أسرة النائمين ، ففرحان بن مِجْمِلة رُزق بمولوده الذي انتظره عشر سنين ، الفرح ملأ منزله وفاض على منازل القرية المجاورة ، واشعلت مساءتُها لأسبوع كاملٍ بدوي النبابيت وقرع الطبول ابتهاجاً، غَـفر خلالها أهلُ القرية كل حماقات فرحان التي كان يرتكبها فهو في سكرة الفـرح كما كانوا يقولون.
انقلبت حياة الزوجين رأساً على عقب وتبدل انتظارهما القانط فرحاً وهما يراقبان القادم الصغير يمرح في حضن أمه ،و يكبر كفسيلة .
فرحان منهمك في حقله لا يصرِفُه عنه إلا مغيبُ الشَّمس ، وفي يوم عاد يحمل تعبه وشوقاً عارماً لرؤية وليده .
وهو “يُـباسط” محسنة التي تكور الصغير على صدرها المُترع حليباً ودفءً لمح ثُلة من الذُّباب تحوم على صدر زوجته المكشوف، تحط تارةً وتطير تارة أخرى ومحسنة تَهُشه تارة وتتركه تارة أخرى يستبيح المساحات المكشوفة من صدرها.
انتفض فرحان من مجلسه “مُبحجراً” مُحمرَّ العينين وانتصب غاضبا وهو يتمتم :
والله لأوريك ياللي ما تستحي ! مالقيت إلا صدر محسنة تِلْوي عليه !؟
قِرْ لي لو أنت رجل !
ثم غاب للحظة وعاد ثائر الدم ممتشقاً نبوته وانتصب كفارس نال من خصمه مقتلاً وصوب نحو الذباب المخيم على صدر غاليته المنشغلة بإرضاع صغيرها مُطلقا رصاصتين خطفت روح محسنة ووليدها ، وفر الذباب دون أن يمسه أذى.
انتصب بعدها شامخاً كمنتصرٍ رافعاً رأسه وهو يكرر بحمقٍ غير مسبوق وعيده للذباب الفار : هذي المرة سلمت والمرة الثانية والله لأثور كل معابري فيك.
حمقُ فرحان خلفه وحيداً وغدى قصة على ألسنة أهالي القرية والقرى المجاورة يتندر بها السّمار في مساءاتهم ويتناقلها الحكاوتية ويقطع بها المسافرون المفازات.