فَرَشَتْ مِهْجانَها، وقرَّبتْ كأسَ مِسَاسَها وآخراً احتوى جُمَّارَتينِ من الخَمِيرِ المُفتَّتِ والخُبزُ كَسَحِيلٍ لطحِينِها، كما لم تنسَ أنْ تُحكِم تثبيتَ رِفادَةَ المِطْحَنةِ الخَشَبيَّةِ، ثم بدأتْ أولى جَولاتها مُقشِّرةً حبَّها الحَمْري ، وزوجُها مُمدَّدٌ على شُبْريٍ بالقربِ منها أجرداً إلا من حوكٍ بالكاد يسترُ عَورَتَهُ ، يُبادِلها الحديثَ عن رمضانٍ الذي قَرَع أبوابَ ديارهم وكيفَ أعدَّ لهُ العُدَّة.
كان يُحدثها عن زَحمةِ السّوقَ الذي قصَده لبيع أحد كبَاشتهِ وشراءِ ما طلبتهُ للشَّهرِ الفضيلِ، مِنْ تَمرٍ وفَالودَةٍ وحُمَرٍ وحُلبةٍ، ولم ينس الأبْزَارَ وشدَّتين “كَبريت أبو طير” ، كما لَمْ ينس “ذَبايلَ” الطَّباخَة وأخرى لفانوسِهم وفانوسِ جارتِهم العَجوز “مِهْدِليَّة”.
استطردَ في حديثهِ واصفاً كيفَ أنَّ النَّاسَ تواردتْ من كلِّ صوبٍ حتى من جِبالِ الرِّيثِ وبِلغازي وفيفاء رجالاً ونساءً.
وهي مُرْهِفةٌ سمْعها لهُ دونَ أنْ تُبادلِهُ الحَديثَ ، مُنشغلةً بِمِطْحنتِها تَهُشُّ الذُّبابَ عن طَحينها تارةً وأخْرى تجْمعُ ما فاضَ عنْ جُنبات الِمطْحنةٍ من “الرِّهِي” وتَضَعهُ في حَيْسِيتها المُجاوِرتِ لِوِركِها.
اخذتهُ نشوةُ الحديثِ “مُتـَفيشِراً” ، وبدأ يَصِفُ المتسوقينَ، فذاك جباليٌ يجرُّ خلفهُ بقرةً منتوجاً، وذاكَ فـَرَّ منهُ كبْشهُ، وآخرَ أضاعَ ما اشتراهُ منْ مقاضي الشِّهر، حتى وصلَ إلى بائعاتِ الطيبِ والحُسنِ والحنَّاءِ القادِماتِ من قـُرى الرِّيفِ في أحدِ المسارحةِ والملاحيط ، حيثُ أرْخى جَسَدَهُ على قَادَتِهِ وأخذَ نَفسَاً عَميقاً ثُمَّ زَفَرَهُ بهدوءٍ، سَاهمُ الطرفِ راسِماً كشفتْ سِتْرَ حَنَكِهِ الأدْلَم ، وما أنْ بدأ في وصفِ تلكَ البائعات وكيفَ أنَّهنَّ طافِحَاتٌ بالأنوثةِ، بقدودٍ مَمْشوقةٍ وعُيُونٍ دَاعِجَةٍ وخُصُورٍ نَاحِلةٍ.
وهو في غَمْرةِ انتشاءتِهِ لمْ يشْعُر إلاَّ وقدْ استقرَّت الحَيْسْيةُ بِما فِيها مِنْ “رِهِي” على رَأسِهِ، وما أنْ أفاقَ مِنْ صدمَتِهِ حتَّى ثنّت بِوِدِي المِطْحَنةِ حَيثُ غَرَزَتْهُ فِي كَرشهِ وصَبَّت ماءَ مِسَاسِها على رَأسهَ ، ثم استوتْ في وقْفتِها وصَاحَتْ في وجْهِهِ بِغَضَبٍ لَمْ تُظْهِرهُ من قبل قائِلةً : وأنتَ يا قَحْم يا فَاجِرْ سوَّقتْ تِقَضِّي وإلا تِتعِيشَق ؟!
ثمَّ انصرَفتْ وكأنَّها لمْ تُهجِّن لمطْحنَةٍ قطْ.
لمْ تَحتَمِلهُ القَعَادةُ التي غَاصَ بيْنَ حِبالِها وقد مُلئَ فمُهُ “الدَّالعَ” رِهِياً وابتلَّ حَوكهُ بالمِساسِ، ولا شيءَ حَوْلهُ سِوى الصَّمتُ منْ حَوْلِهِ مُطْبِقاً.
ههههههههههه صابا امرهي في خشم امقحم