مَجلسهُ مُكتظٌ بالرِّجال على غير العادةِ، ما يشي بأمرٍ جللٍ دفعهم للازدحامِ، يتقدمهم عرائفُ القُرى وأعيانُها، منهم من يحتزبُ جنبيتهُ ومنهم من يمتشقُ نبوتهُ والبعضُ دسَّ شفرةً تحتَ عِطف وِزْرته، وما أن اكتمل حضُورهم حتى أقبل عليهم الشيخُ في مِزاجٍ لم يروهُ فيه من قبل.
مشى حتَّى بلغ َمجلسَه ثم وقفَ مرحباً رافعاً يد التّرحيبِ والأخرى أمسَكتْ بمقبضِ جُنبيته الصنعانية المُرصَّعةِ بالفضَّة، لُفَّ حزامُها على حوكٍ بِكُـثلٍ ملونةٍ وخطوطٍ زاهيةٍ يتقاطعُ على صدرهِ حزامٌ جلديٌ صُفتْ عليه طلقاتٌ ذهبيةٌ لمسدسٍ تدلى على جنبه الأيسر.
جلسَ الجميعُ في صمتٍ يترقبون حديثَ الشيخِ الذي بدأهُ غاضباً، فرُعاةُ القبائلِ المجاورةِ عَـدَو على مراعيهم دون استئذان ولم يعيروا شيوخها أي اهتمامٍ وهذا ما دعاهُ لعقد اجتماعه الطارئِ.
أكمل حديثهُ بصوتٍ عالٍ يستثيرُ به حَميَّة وغضب رجالات قبيلتهِ حتى احمرَّ وجْههُ وخشي المستمعون أن يُصيبَهُ ضَرر.
تعالى صوتُ الشيخِ الغاضبِ، وأخد يتهدد ويتوعد ويستحثُ هِمَّة الرِّجالِ للتصدي لأولئك المعتدين.
وهو في تلك الصُّورة من الغضبِ والتوترِ والانفعالِ لم يشعر إلا وقد ( مَلَصتْ ) منه ( ضـرْطـهٌ ) أصابت هِمةَ السَّامعينَ في مقتلٍ !!!!.
عمَّ الصَّمتُ لبرهةٍ … ثم أخذ الحاضرونَ ( يتَصامقونَ ) يُقلبون وجوهَ بعضهمُ البعض يُغالبونَ رغبةً جامحةً في الضّحك لكن هيبةَ المكانِ حالتْ دونها، وبدأوا في الخروجِ واحداً تلو الآخر في هدوءٍ هامسين لبعضهم البعض بـ( هههه .. أعزوا أرواحكم ) !!.
والشَّيخُ متسمِّـرٌ في مكانهِ بوجهٍ ممتقعٍ ويدٍ تتفقد مؤخرته والثانية مازالت في مكانها مُمسكة بقبضة ِالصنعانيةِ الملتفةِ على خصره.
ومرت الأيامُ ، وأكملَ الرُّعاةُ ( فَيْشَ ) المراعي، وعادوا إلى الدٌيارِ بكروشٍ ممتلئةٍ يتناقلون في مجالسهم قصَّةَ الشيخِ “الضَّـارطِ” وجنبيتهِ الصنعانيةِ ذاتِ النقوش الفضيةِ، وشريطِ الرَّصاصِ المُـذهًّبِ.
هههههههههه يارب استرنا