قَرْقَرَ جوفُ “الشّاصِ” فجراً وقد قُيد “الأدهم” في حوضه الحديدي، مُيمماً نحو السوق، فغداً هو يوم عيدهم، والأب بحاجة إلى المال لكسوة صغاره.
“زِقلة” و”أحمد صغير” كما تسميه أمه؛ الوحيدان اللذان سيقضيان العيد بلباس حُزن لم يعهدانه. هذا هو العيد الأقسى على قلبيهما، فـ”شرقي” الأدهم كما يسميانه تقاسم معهما كل شيئ تقريباً منذ أن كان ( روماً ) صغيراً إلى أن أصبح كبشاً عظيماً يتحدث عنه مُلاك الزِّاب .
“زِقلة” وأحمد، لم يحتملا هول اللحظة ودسا وجهيهما الصغيرين في حضن أمهما المبتسمة لزوجها المتفائل بكبشه. هو الآخر بادلهما نظرة تكاد أن تنطق وهو يقلب بصره المحزون بين أركان دار الصبا وصديقيه الباكيين، ولا حيلة له إلا بعبعة ًتشقُ صمت الفجر، تنطلق ُمدوية في أزقة القرية الجبلية.
تربى “شرقي” منذ نعومة “حوافره” متنقلا بين حضني “زِقلة” وأحمد الصغير يطعمانه ويغسلان شعره إذا اتسخ، ويهتمان به كشقيق ثالث، يتقاسمان معه كل ما يبهج، يسابقانه ويحرصان على سلامته وهو الآخر كان يعي حجم ما يحتفظان به من حب.
كان “شرقي” الفرير هدية خالهم ذات زيارة، ومضت بعدها السنوات وهم يتشاطرون كل شيئ حتى أصبح فتياً مترعاً قوةً ولحماً. اللحظة موجعة فالصغيران لا يعرفان كيف لعيدٍ أن يأتي دون صديقهما المقيّد، كيف ستطيب لهم اللحظات ومن تقاسما معه كل شيئ سينتهي به الحال إلى مجهول مُفجع.
“زِقلة” تتذكر كيف كانت تهتم بنظافة فروته وتخضيبها بالحناء الزائد عن حاجة أمها، وأحمد لا ينس كيف كان يهتم بغسله يوميا في بركة الماء خلف كوخهم الحجرية.
لا أحد في المنزل الصغير يعرف حجم العلاقة بين الثلاثة إلا هم. الشَّاصُ يغيبُ في عتمة الفجر نحو السوقِ، والصغيرين يفتهما الحزن مغالبين حالة البكاء الجاهش التي الجمتهما برغم وعود الأم لهما بفريرٍ آخر أكثر جمالاً ولطفاً من الراحل.
قُبيل الظهر عاد الوالد خال الوفاض والحسرة تتقاطر من وجهه المتعب.
تسأله الأم عن أغراض الصِّغار ، يلتفت إليها بحسرة وهو يقول: امفرير انزَّغت في حوض امشاص وماوصلت به إلا قِد عتر !!. ألمٌ آخر فتَّ قلب الصغيرين، وترك حسرةً في نفس الأب، وألماً في روح الأم.
وبات المنزلُ الصغيرُ حزيناً، وجاء العيد بلا كسوة وبفرحٍ بسيطٍ لم تحتفظ به الذاكرة.
مبدع وقآصٌ راقي