يُحكى أن ثوراً اعتاد على الذّهاب إلى أحد المراعي الخضراء وفيرة الكلأ، آمناً مطمئناً يعود مع مغرب كل يوم ببطنٍ ممتلئ وبال هانئ، حتى اكتنز لحمه ومالت ( دُربته ).
وفي أحد الأيام وأثناء عودته صادف (حمولاً) بلغ به الجوع مبلغاً عظيماً، فبانت أضلاعه، وسقم جسده وجحضت عيناه، وكان أقرب إلى الموت منه إلى الحياة من شدة الجوع.
استوقف الثور متسائلاً عن سر هذه الدُّربة المكتنزة، وهذا الرَّواء الطافح، وذلك البطن المنتفخ شَبَعاً، مُصراً على معرفة المرعى الذي يقصده كل يوم، عله يجد فيه ما يعيد له بعض حياة.
لم يعره الثور في يومه الأول أي اهتمام ومضى والحمول المسكين يصيح ويلاحقه بأسئلته مستعرضاً جسمه النحيل عله يستدر به عطف الثور الشابع حد التخمة فيُشاطره النعيم الذي يتقلب فيه كل يوم.
مرت الأيامُ والثورُ يحاول جاهداً تجاهل ذلك النَّحيل اللجج، حتى وجدت الشفقة من قلبه موقعاً، فاقترب من الحمولِ الكاشر وخاطبه هامساً:
اسمع .. سأقولُ لك سر هذه ( الدُربة ) المائلة وهذا الكرش المكتنز، وسأصطحبك معي للمرعى الذي لا يعرف عنه أحداً ولي فيه شهور عديدة لم يتكدر لي بال، هانئاً مطمئناً آكلاً ( ضافِعاً )، في دعة وسكينة، ولا بأس في اصطحابك معي ولكن حذاري أن تخبر أحداً فيكدر عيشنا وتعز علينا اللقمة.
فرحَ الحمولُ بموافقة الثور، ووعده وعداً قاطعاً أن يكون كما يحب، وأن يكتم سر مرعاه.
توالت الأيامُ والثورُ يصطحبُ معه الحمولَ الناحل إلى ذلك المرعى الخصيب، حتى بدأ اللحم يكسو عظم الصديق الجديد، وبدأت الحياة تدب في أوردته وتبدل نحوله تخمة و جفاف جلده رِياً، وضمور عَصْعوصِه إلى اكتناز لم يعهده.
وكلما ازداد شبعه ازدادت حركته ونشاطه، والثور يرقبه بحذر واضطراب من بعيد وهو يلوك حصته من الحشائش والشُجيرات الصغيرة في صمت وحذر.
وفي يومٍ بلغ الشبعُ بالحمول حداً لم يعهده وتفتحت أساريره بشكل لم يستطع معه كبح جماح غريزته، حيث التهم مقدار زُربتين من الحشائش والشُجيرات، ثم وقف وقفة فارسٍ منتصرٍ و ( كـرّ ) مقدارَ ( مقمين ) على الفائض من وجبته ثم أسلم صوته للريح بنهيق لم يُسمع مثله من قبل بلغ الآفاق، انكشف به مكانهما وانتبهت له آذان قُطعان ( الجعاري ) الغافية في الجروف، فأقبل من حينه قطيع منها أحدق بالسمينين، ولم تُفلح معه ( عنفلةُ ) حمولِ ولا نطح ثور، حيث أجهز القطيع عليهما في لمح البصر وتركهما هياكل لم يجدِ الذُّباب فيها مقيلا.
وغدت قصتهما مثلاً وحديثَ مدارس الأبقار ِومرابط الحمير، ومجالس العجائز، ومتاكي المقارحة، وبائعي البز.
هههههههههههههههههههههه ونعم الصديق