آخر ظهور لـ “عاشة امّسْعود” ٤،٥٤ مساءاً ..
هكذا بدا في أعلى شاشة جوال “شوْقة” الذي أهداه لها “معدِّي” ابنها العائد من الشَّام وكان هو الهدية التي تناقلتْ خبرها كلُّ البيوتِ في ذلك اليوم، حيث أصبح منزل “عبده كُريش” مزارَ الفُضوليَّات من نساء القرية المتوافدات لمشاهدة تلك الهديَّة ( المـُنجِّلة ) كما تصفُها الأم الـ(مـُتفيشرة).
“مِخْبتة” أنهت مسرعةً كنس زَرْبةِ الهوشِ حيث أتمتها ممسكةً المكنسة بيد والأخرى ( مُشعبطةً ) بجهازها النصف مسلوخ.
“شوْقة” متصلةٌ الآن حيث بادرتها ” مِخْبتة” قائلة : كشفة كشفتك من عجوز .. لي ساعة مترجِّية أشاك تاجين.!!
ردت “شوْقة” بضحكةٍ مكتوبةٍ منتهيةٍ بوجهٍ أصفرٍ “كاشِرٍ” قائلةً : اسمحيني يا خيَّة ما صدَّقت وامقحم يرقُد بلي بمِرقِد ، عوَّد به هَرَم مهو في واحد.. خِهْ منُّه .
وتبادلت الاثنتان الضحكَ الذي لم يقطعهُ إلا دُخول “عاشة امَّسعود” التي بدأت حديثها كعادتها بالسؤال عن “سلامة امْصُليلي” التي لا تُطيقُ وجودها في مجموعتهم، ولولا أن “شوْقة” هي من أدخلتها المجموعة لما بقيت عضوةً فيها.
“شوْقة” هي العجوزُ الأكثر فهماً في مجموعةِ العجائزِ الأربع وأقدمُهن في امتلاك هذا النوع من الأجهزة ، وهي التي اقنعت صديقاتها ( مخْبِتة وسلامة امْصُليلي وعاشة امَّسعود) بفكرة لقاءاتهم عبر هذا ( الإسْت أبْ ) كما تُسميه ” مخْبِتة “.
استغرب الجميعُ غياب “سلامة امْصُليلي” هذه المرة حيث استغلته “عاشة امَّسعود” وبدأت تُعلن غضبها من وجود “سلامة” في المجموعة وأنها دائما ما تتأخر في كتابة ردودها التي لا تخلُ من الأخطاء الغبية، وبدأ البقية في إطلاق العنان لمواهبهن في “الحشِّ” والذي عادة ما يشغلُ جل حديثهم في كل لقاء لهن.
وبرغم تذكير “شوقة” للمجموعة بأن “سلامة” صديقتهن ستغضب إذا قرأت ما يكتب عنها إلا أن أحداً منهن لم يقتنع.
بدأن في سرد يومياتهن حيث حكت “مخْبِتة” قصَّة “اللحام البارد” الذي أصلحت به (ودي) مطحنتها المكسور ، وعرَّجت على “الفُـشوري” الذي اشترته مؤخراً مع دلالة القرية “زرْعة امْشامي” غير أنها عابت عليه ( قدْره ) الصَّغير.
أما “شوْقة” فلم تزد عن سرد قصتها مع إحدى نِعاجِها التي “عَرِمَتْ” وليدها ولم تُلقمْه ضرْعها وكاد أن يموت لولا أنها “عـَاوَشتهُ” على ( جِديةٍ ) لجارتها “صالِحة امسلامي”.
“عاشة امَّسعود” هي أكثرهن إبداعاً في نشر الشائعات وتقسم أن ما تنقلهُ حقيقة سمعتها في “الرَّادي”صباحاً بينما هي تعد (صُفِّيرةً) زوجها قبل خروجه إلى (المعمال).
هذه المرة أقسمت أنها سمعت خبراً عن عجوزٍ تطوفُ القُرى وتخطفُ الفتيات الجميلات لتبيعَهن ، ضحكت شوقة وبالغت في إرسالِ الوجهِ الأصفر الضاحك وقالت : هيا انتبهي لا تلقاك بس وأنت ( تشدِّخين) ، وإذا لقيتنها لا ترى كشْرتك يمكن تخطفك على زِين قفاك، وتُخثرنا منك، ومن كذبك.
طبعت “عاشة امّسعود” الوجه الأحمر الغاضب وهي تقول : أنتم مَحَد يبييكم بشي ، معاكم إلا ” تِغِجَّار” عليّه ثم صمتت تماماً.
طوال مدة الحديث بين العجائز الثلاث و”سلامَة امْصُليلي” لم تكتب حرفاً واحداً مكتفيةً بقراءةِ ما يدور بين الباسطات، غير أنها بادرت بنسخ ما أخبرت به “عاشة امّسعود” عن قصة العجوز الخاطفة وبدأت تنشره في كل المجموعات التي تعرفها، وأضافت أنها سمعت الخبر في “الرّادي” صباحاً وهي تكُجُّ دبيتها.
مضت الأيام والعجائز الأربع يبالِغن في استهلاك أوقاتهن وبدأ أزواجهن يعانون من تلك الآفة التي شغلت نساءهم عن (موافيتهن)، و(مطاحنهن)، وتنظيف بيوتهن ، فلا زادٌ في وقتهِ والزِّرابُ فاضت بالكِرْس، و “الرِّيمان” تصيح من الجوع، إذ لم يعدن مهتماتٍ بمُعاوشتِها في وقت حاجتها.
“عبده كُريش” أقسم أنَّ له أسبوعاً يلبسُ (الحَوْك) دون ( مَهاشَةٍ ) ويبيتُ أكثر لياليهِ ( طيَّاناً ) معلناً غضبهُ على ابنه الذي أفسد أمَّه العجوز بتلك الهدية التي أزَّمت علاقته بعجوزهِ المُتصابية وأشغلتها عنه، وكذلك هو الحال مع بقية النساء.
تفاقمتِ المشكلُ والعجائزُ الأربعُ يتمادينَ في استهلاكِ أوقاتهنَّ متجاهلاتٍ كل بوادرِ الشِّقاق ، وعلاماتِ تذمّرِ وامتعاضِ أزواجهنَّ .
وفي يوم أفاقت القرية على نبأ طلاق “شوْقة” بعد ليلةٍ من ( الخُصْمَةِ ) كاد خلالها “كُريش” أن يشُجّ رأسها بصميل، ما أفزع بقية النِّساء وأدركن أن الدَّور سيأتيهن لا محالة إذا لم يتداركن حالهن ، واتفقن على العودة لحياتهن التي اعتدنها منشغلات بأزواجهن وبيوتهن ودوابهن.
“شوْقة” في بيتِ زوجها دونَ ضررٍ لم تُفارقه، إذ لم يكُن خبر طلاقها سوى إشاعة لـ”عاشة امّسعود” كعادتها ، وانتشرت كالنار في الهشيم لكنها الإشاعة الوحيدة التي أصلحت حال من وصلتها من نساء القرية للمرة الأولى.
وعاش بعدها “عبده كُريش” سعيداً بـ(حوكٍ) (ممْهوشٍ)، وبطنٍ متروسٍ.
ورامت النَّعجةُ وليدها والقمّتهُ ضرْعها في حبٍ لم يعهدهُ.
حوك ممهوش وبطن متروس ههههههههه