يشتهر “عبده مَشْلة” بطيبته وبساطته وشيئ من العناد الممزوج بحمقٍ لطيفٍ، وبجسد نحيل محرِّضٍ على النكتة.
وهو من المشهورين بخفة دمه بين (المُـفرشين) بسوق القرية الذي يرتاده المتسوقون كل ثلاثاء من القرى المجاورة، يبيعون ويشترون احتياجات أسرهم لبقية الأسبوع.
وفي ذات صباح والسوق مكتضٌ بالباعة والمشترين والصخب يضج بالمكان و”عبده” قد توسط السوق مجتزئاً بعض الطريق الضيق عارضاً حُزم البقل الذي يشتهر ببيعه، منادياً بأعلى صوته ” البقل الطيب البقل ..البقل.. الا البقل البقل …”
وبينما هو كذلك مر بالقرب منه عابرٌ ضخم الجُـثة هادئ الملامح كاد أن يطأ مفرش بقله، لكنه اتقى ذلك بحركة سريعة جنبته الوقوع فيه، وقد التمح “ابن مشلة” حركة الرجل التي جنبته الإضرار بالمعروض حيث انتصب واقفاً وقد طفح الغضب من وجهه المتعرق النحيل، وأخذ ينادي عليه مزمجراً ثم صاح في وجهه بغضب: ( بالله كيف لو أنك دعست على البقل ؟ )
رد الرجل بتودد : الحمد لله ستر ولاطف ما وقع شي.
عاود”ابن مَشلة” سؤاله بحدّة أكبر : لا لا لا بالله لو أنك دعست عليه كيف شيغدي يومك؟
كرر الرجل اعتذاره بشكل أكثر لباقة، وكرر البقال سؤاله المستفز مهدداً ومتوعداً.
أعاد الرجل اعتذاره مرة الثالثة مُطالباً بالاستعاذة من الشيطان، غير أن “ابن مشلة” لم يُعر تواضعه واعتذاره أي اهتمام، متمادياً في استفزازه.
حينها انتصب الرجل الضخم وقد انتفخت أوداجه وأحمر وجهه و أمسك بـ(مِصراب) البقل ورفعه عالياً ثم هوى به على رأس صاحبه و أخذ يدوس ما تناثر منه وهو يزمجر : هيّا ذلحين دعسته ورني ماهو شتسوي ؟؟
ثم انصرف وهو يكيل اللعنات على النحيل المـُتيبس في مكانه دون أي حركة سوى ( فغْرة ) ذهول سال منها ريق كلحته.
أفاق ” ابن مَشلة” من صدمته (مُـتمرطاً) والتفت يميناً ويساراً ثم نظر إلى بقله المهروس بحسرة لم يذقها من قبل، وأخذ يتمتم قائلا : هو صادق هيا ذلحين ماهو امخبر، صدق أن ابن آدم ضعيف أدنى ما خشره !!!
ثم ضحك الجميع وضحك معهم “ابن مَشلة” و عاد الرجل الغاضب ضاحكاً، كما أن شوعية بائعة اللحوح شاركتهم الضحك، وكذلك بخيتية بائعة القوار.
ويقال أن “ابن مَشلة” ترك بعد هذه الحادثة بيع البقل وفتح محلاً للجراك.