صَفّت أربعَةُ من فناجين القَهوةِ أمام زَوجِها المُتكئ على حافةِ قاعدتهِ المُحبَّبة، ثم سََكبت بعضَ مافي جوف دَلتها الثائِرة والتي أغْرت رائحتها الرّجُل فَهبَّ (منتوِلاً ) أحدها قبل أن تُكمِل الصَّب في الآخر.
دائماً ما يُداعبُ غرورها ويمْتدِحُ قَهْوتها الصَّباحيَّة التي لم تقْطعها مُنذ ثلاثين عاماً مع بعض كِسرِ المُشبَّك وقِطَع المُجلْجَل وصُبَّاع زَينب التي يبتاعُها أسبوعيّاً من سُوق الخميس بِعيبان.
هذا الصَّباح لم يفترّ ثغرُ ( مِشْنية ) عن أي ابتسامةٍ على غيرِ عادتِها، وبدَت ( فاخِتَة ). انتبه الزوجُ لحالة الوجُومِ التي دخلت فيها عجوزه التي ينْعتُها بالحالية دائماً .
باغتها بسؤال بعد أن جَرَعَ فنجان قهوةٍ لم يكترث لحرارته : مِشْنية مالك اليوم ؟
انتبهت له وجاملته بابتسامة أبانت سِنّها المُعلق بآخر عصبٍ في حنكها وقالت :
من البارح يا عيسى وأنا معايه ( زالغ ودُكدُك )!!
( تلفلف ) عيسى وأخذ بأطرافِ حَوكهِ وكوّمها بين رُكبتيه المُتسلِّختين واستوى في جلسته وكأنهُ يستعدُ لاستقبال أمرٍ جلل .
ارتشفَ جُغماً من فنجانه المصبوب ثم أردف بسؤال آخر : ماخْلاف !! ماهو جانا عسى ؟
نظرت في عينيه وفي مُقلتيها لمعت دمعة وهي تتفرس في وجههِ الذي بدى كـ( طاوةٍ ) وطأتها حوافرُ ثورٍ هائج .
تأملته وكأنها تراه لأولِ مرةٍ ثم صرخت بصوتٍ راعدٍ بلغ أطراف القرية قائلة لهُ : أنت يا هذا السِّقِيم اللي رُكبَك كُلها ( لُسَن ) شتكبني وتتزوج خريفة امْكشرا امِّرمِّلة !؟
ثم انتصبت واقفة وشررُ الغضبِ يتطايرُ من عينها الدامعة ممسكةً دلتها التي انتزعتها من جَحيم المركب ، عازمةً على رشِّ وجهه الذي ماعاد يبين منه أي معلم .
( حُشِرَ ) الرجلُ في مكانهِ ، والجَمتهُ المفاجأة وما عاد يملكُ من وعيه شيئاً .
ابتلع ما تبقى من ريقه واستجمع قواه التي فتتها غضبُ الزوجة وهو يرمق قبضتها المُحكمة على عُنق الدلة الَّـلاهبة.
أدرك أن الهلاكَ واقعٌ به وأن لا عُـذر سيُنجيه من تلك الهائجة .
تأمل ما حوله من فُرج ثم هب واقفاً ورمى بحوكهِ على وجهها الغاضبِ واطلق ساقيه للريح غير عابئ بضَحِك الصِّغار في أزقة القرية.!!