مُتفيئاً ظِلَّ شَجَرةِ الضِّبْرِ التي تَتوسَّطُ ( قَبَلَ ) داره.
وهو متكئٌ على قعادَتِهِ حَدَجَ ابنه الذي أكملَ ثمانية عشر عاماً من عُمرهِ بنظرةٍ وهو (يَهْتُبُ ) أجرداً خلف (جَلَنْطٍ) يعودُ لابن جارِهِم سالم ، حَيْثُ ( عَكَفَ ) قَصْبَةً امتَخَسَها مِن مِزْوامِ والدهِ وشكَّلها مُـثلثاً يدفعُ بقاعِدَتهِ تلك الدَّائرة الحَدِيدِيّـة، ويطاودُ بها بعضَ دجاجاتهم .
أمْعَـنَ الأبُ النّظَر بحزنٍ في ذلك المشْهدِ ثمَّ زَفَرَ زفْرَةً ارْتجَّت لها أشْنافُهُ وقال بحُرقةٍ : كَشْفَة كَشْفَتك من صُـبَا امِّتْوزِّر بك عُـريان ! قِدِيكَ قحم وعادَك تِطارِد هَذي الحَدِيدة!!.
وبينما هو كذلك يَنْدبُ حَظَّـهُ العاثِرَ مع ابنهِ الوَحيد؛ أقبلت الزَّوجة تجُرُّ خُطاها المُـثقلة بأرْطالٍ من الشَّحْمِ واللحْمِ المتكوِّر تحتَ ( آباطِها) وفوق أوراكِها ، وكأنها سمِعت شيئاً من زَفِير زوجها واحتِراقِ (شِـرْوِه) فبادرتهُ قائلةً : يييوَهْ !! عَسى نِسِيت جَهْـلَك ؟ غَدِيت طِجْل وعادك تِضَفِّع مع أمَّك !! وما بطَّلت إلا قِديكَ هُرْبي !!
التَفَتَ إليها كمَنْ باغَتَهُ الرَّدَى ثم استوى على قَعَادتِه مُبتسِماً بشيئٍ منْ خَجَل وهو يَهْرُشُ (حُنْقُفَتَهُ) وقال مُمازحاً : مِضَفِّعْ ولا ضَفْعَة !!
لا والله !! هذي الضّفْعة من هذا المِقِمْ ؛ قالتها الزوجة بشيء من الغضب .
صَمت الزّوج قليلا ثم نظر إلى زوجته الحانِقة وابتسمَ ابتسامةَ مغْبونٍ وطلبها صحن المشَبّك ودلَّةَ البُن وهو يتمتم غاضباً : لا صبَّحْ عليك ولا مسَّى على ولدك الصُباحَة !!